"فورين أفيرز": عمل المرأة السعودية جعل الإصلاحات الاقتصادية أكثر إنتاجية

"فورين أفيرز": عمل المرأة السعودية جعل الإصلاحات الاقتصادية أكثر إنتاجية

اشتهرت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة بقيودها الصارمة على عمل المرأة، لكنها تسابقت في السنوات الـ15 الماضية لمنح المرأة المزيد من الفرص للعمل خارج المنزل.

ووفقا لمجلة "فورين أفيرز"، أصبحت مئات الآلاف من النساء السعوديات حاليا أول عضوات في أسرهن يعملن خارج المنزل في أماكن مثل دور السينما ومحطات القطار ومراكز التسوق ومكاتب الشركات، مستفيدات من مجموعة من الفرص التي لم يكن من الممكن تصورها للأجيال السابقة.

تاريخيًا، كان توظيف المرأة في السعودية منخفضًا للغاية، سواء وفقًا للمعايير العالمية أو معايير الشرق الأوسط، في عام 2011، كان 56% من الرجال السعوديين يعملون، لكن 10% فقط من النساء السعوديات يعملن.

ولطالما شجعت الحكومة السعودية النساء على الحصول على شهادات الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعات، ودرست العديد من النساء في الخارج بمنحة الملك عبدالله، التي تدعم الطلاب السعوديين الذين يسعون للحصول على شهادات في جامعات أجنبية، لكن الدخل المرتفع نسبياً للرجال السعوديين وبرامج الدعم الاجتماعي الواسعة التي تقدمها الحكومة، جعلت من الممكن مالياً لمعظم النساء عدم العمل، وقد اختارت كثيرات ذلك نظراً للمعايير الثقافية.

كما واجهت النساء اللاتي عملن خارج المنزل قيودًا قانونية أيضًا، لقد مُنعن من بعض الصناعات والمهن ومن المناوبات الليلية.

لكن احتجاجات الربيع العربي في الفترة 2010-2011 دفعت الحكومة السعودية إلى مواجهة حقيقة مفادها أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لم يعد من الممكن معالجته إلا من خلال توفير وظائف في القطاع العام، وكان عدد السكان يفوق عائدات النفط في البلاد.

كان للحملة الحكومية اللاحقة لدفع القطاع الخاص للبدء في خلق المزيد من فرص العمل للسعوديين تأثير غير متوقع يتمثل في زيادة الفرص ليس فقط للرجال ولكن أيضًا للنساء، اللاتي انضممن إلى القوى العاملة بأعداد صدمت صناع السياسات اعتبارًا من عام 2023.

ويعيد هذا التحول تشكيل الاقتصاد والمجتمع فقد أصبحت المرأة السعودية مصدراً لإمكانات اقتصادية هائلة وحضور واضح وقوي في الحياة العامة في المملكة.

واستفادت المرأة السعودية منذ فترة طويلة من نظام التعليم العام الشامل، مع توفر التعليم المجاني حتى مرحلة الكلية وفي كثير من الأحيان خارجها، بدأ التعليم الرسمي للنساء والفتيات متاحًا على نطاق واسع في الستينيات، عندما أعلن الملك سعود التزامه بتعليم الفتيات في المواد التي من شأنها إعدادهن للأمومة.

وبفضل دعم نخبة النساء السعوديات، توسع التعليم العالي للنساء في الثمانينيات، لكن هذا لم يُترجم في كثير من الأحيان إلى عمل في القطاع الخاص؛ قبل عام 2010 تقريباً كان نحو ثلثي النساء السعوديات اللاتي يعملن يعملن في القطاع العام، وكانت الغالبية العظمى منهن في مدارس البنات.

وكانت مثل هذه الوظائف ذات مكانة عالية ومرغوبة اجتماعيا، وكثيراً ما عرضوا أجوراً أعلى، وأمناً وظيفياً أفضل، وساعات عمل أكثر جاذبية، وبيئات عمل تفصل بين الجنسين.

وكان العمل في القطاع الخاص غير النفطي، مثل وظائف البناء والضيافة وتجارة التجزئة، أقل أجرا وأقل جاذبية، حتى بالنسبة للرجال، وتميل هذه الوظائف إلى شغلها من قبل العمال الوافدين؛ في عام 2011 شكل السعوديون أقل من 15% من القوى العاملة في القطاع الخاص، وشكلت النساء جزءًا صغيرًا من هذه النسبة الصغيرة بالفعل.

 البطالة في المملكة العربية السعودية أصبحت مصدرا خاصا للقلق العام، واستجابت الحكومة بقوة للحد من البطالة بين الشباب -والتي كانت مرتفعة بشكل مثير للقلق، حيث بلغت 30%- واعتماد البلاد على العمالة الأجنبية. 

وبحلول يونيو 2011، أعلنت الحكومة عن حصة توظيف سعودية لشركات القطاع الخاص وبرنامج للبطالة يقدم مساعدة مالية شهرية للباحثين عن عمل، وفي الشهر الأول للبرنامج، قامت أكثر من 500 ألف امرأة بالتسجيل للحصول على المزايا، بما في ذلك الوصول إلى برامج التدريب عبر الإنترنت.

وبشكل غير متوقع، تضخمت أعداد العاملات؛ فإلى جانب إغراء المزايا، اغتنمت العديد من النساء فرصة العثور على عمل خارج المنزل، وبينما كانت الشركات تبحث عن موظفين سعوديين، قامت العديد من الشركات بتعيين النساء لأول مرة.

وبحلول عام 2015، كان ما يقرب من ثلثي الشركات الخاصة الموجودة في المملكة العربية السعودية قد وظفت النساء، وتضاعفت حصة السعوديات في القطاع الخاص ثلاث مرات تقريبًا، لتصل إلى 27%.

وأعلن الملك عبدالله أيضاً عن إصلاحات خاصة بالمرأة، حيث أصبحت المرأة السعودية مؤهلة للتصويت والترشح في الانتخابات البلدية، ونصت اللوائح التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2012 على أن تكون أنواع معينة من أعمال البيع بالتجزئة، مثل بيع الملابس الداخلية ومستحضرات التجميل، مفتوحة للنساء فقط، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الوظائف المتاحة لهن.

وفي عام 2018، رفعت الحكومة الحظر المفروض على قيادة النساء، وهو القرار الذي زاد من قدرتهن على الحركة ومكنهن من العمل في شركات مشاركة الرحلات مثل أوبر.

وفي عام 2019، قامت بتعديل ما يسمى بنظام الوصاية، الذي كان يتطلب من المرأة الحصول على إذن أحد أقاربها الذكور للعمل أو السفر أو حتى الحصول على الرعاية الطبية؛ وأنهى القانون الجديد هذه القيود وحظر على الشركات جعل إذن ولي الأمر شرطًا للتوظيف، ما يشير إلى أن توسيع حقوق المرأة أصبح الآن أولوية بالنسبة للقيادة السعودية.

وكانت العديد من هذه الإصلاحات جزءًا من الرؤية السعودية 2030، وهو برنامج حكومي قدمه محمد بن سلمان، نائب ولي العهد آنذاك، عام 2016 لتقليل اعتماد المملكة على النفط وبناء اقتصاد أكثر تنوعًا ومرونة.

وكانت إحدى الركائز الأساسية للاستراتيجية الاقتصادية للبرنامج هي زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل إلى 30% بحلول عام 2030، وفي ذلك الوقت، بدا هذا الهدف طموحا، ولكن تم تجاوزه بالفعل.

وفي السنوات الست الماضية، أوضحت الإصلاحات الحكومية أيضًا الصناعات المفتوحة أمام النساء وأنواع الساعات التي يمكن للمرأة أن تعمل فيها، وجرمت التحرش الجنسي، وضمنت المساواة في الأجور واستحقاقات التقاعد، ومنعت أصحاب العمل من إنهاء خدمة العاملات الحوامل.

وكان التأثير الصافي هو زيادة غير مسبوقة في الفرص الاقتصادية المتاحة للمرأة في جميع أنحاء المجتمع السعودي؛ فقد أصبح عدد النساء العاملات في القطاع الخاص الآن ثمانية أضعاف ما كان عليه قبل 12 عاما. 

ومع ارتفاع المشاركة في العمل في القطاع الخاص، انخفضت حصة النساء السعوديات العاملات في القطاع العام إلى الثلث، في حين ظلت نسبة العمال السعوديين الذكور العاملين في القطاع العام أعلى من 50%.

أدى مؤشر البنك الدولي للمرأة وأنشطة الأعمال والقانون، الذي يقيس المساواة بين الجنسين في البلدان في قوانين العمل، إلى زيادة درجة المملكة العربية السعودية من 29 من أصل 100 في عام 2011 إلى 71 في عام 2023، وهي من بين أكبر المكاسب التي حققتها أي دولة على مدار الخمسين عامًا الماضية.

كما أدى هذا التحول الاقتصادي إلى زيادة مشاركة المرأة بشكل واضح في الحياة العامة، وجعل الأسر أكثر مرونة مالياً، وتعزيز إنتاجية الشركات من خلال زيادة قدرتها على الوصول إلى المواهب.

ويبدو أن هذه التحولات بدورها تؤدي إلى حلقة من ردود الفعل، فكلما احتضن المجتمع السعودي النساء في مكان العمل، كلما زاد تشجيع الحكومة على متابعة الإصلاحات الطموحة، ففي عام 2019، على سبيل المثال، التحق أقل من ربع الأطفال السعوديين برياض الأطفال، وكجزء من رؤية 2030، حددت الحكومة هدفًا بنسبة 40%، جزئيًا لدعم عودة أمهاتهم إلى العمل. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية